فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَهُوَ الذي خَلَق السماوات والأرض فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ}
تقدّم في الأعراف بيانه والحمد لله.
{وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الماء} بيّن أن خلق العرش والماء قبل خلق الأرض والسماء.
قال كعب: خلق الله ياقوتة خضراء فنظر إليها بالهيبة فصارت ماء يرتعد من مخافة الله تعالى؛ فلذلك يرتعد الماء إلى الآن وإن كان ساكنًا، ثم خلق الريح فجعل الماء على مَتْنها، ثم وضع العرش على الماء.
وقال سعيد بن جُبير عن ابن عباس: أنه سئل عن قوله عز وجل: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الماء} فقال: على أي شيء كان الماء؟ قال: على مَتْن الرَّيح. وروى البخاريّ عن عِمْران بن حُصَين. قال: كنت عند النبيّ صلى الله عليه وسلم إذ جاءه قوم من بني تميم فقال: «اقبلوا البشرى يا بني تميم» قالوا: بَشَّرْتَنَا فأعطِنا مرتين فدخل ناس من أهل اليمن فقال: «اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم» قالوا: قَبِلنا، جئنا لنتفقه في الدِّين، ولنسألك عن هذا الأمر ما كان؟ قال: «كان اللَّهُ ولم يكن شيء غيره وكان عرشه على الماء ثم خلق السمواتِ والأرضَ وكتب في الذِّكْر كلّ شيء» ثم أتاني رجل فقال: يا عِمران أدرك ناقتك فقد ذهبت، فانطلقت أطلبها فإذا هي يقطَعُ دونها السَّرابُ؛ وايمُ اللّهِ لودِدْت أنها قد ذهبتْ ولم أقم.
قوله تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} أي خلق ذلك لِيبتلي عباده بالاعتبار والاستدلال على كمال قدرته وعلى البعث.
وقال قَتَادة: معنى: {أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [هود: 11] {أيكم} أتمّ عقلًا.
وقال الحسن وسفيان الثّوريّ: أيكم أزهد في الدنيا.
وذكر أن عيسى عليه السلام مرّ برجل نائم فقال: يا نائم قم فتعبَّدْ، فقال: يا رُوح الله قد تَعبَّدتُ، فقال: «وبم تَعَبَّدتَ»؟ قال: قد تركت الدنيا لأهلها؛ قال: نَمْ فقد فقتَ العابدين. الضّحاك: أيكم أكثر شكرًا.
مقاتل: أيكم أتقى لله. ابن عباس: أيكم أعمل بطاعة الله عز وجل. ورُوي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا: {أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} قال: «أيكم أحسن عقلًا وأورع عن محارم الله وأسرع في طاعة الله» فجمع الأقاويل كلها، وسيأتي في الكهف هذا أيضًا إن شاء الله تعالى. وقد تقدّم معنى الابتلاء.
{وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُمْ مَّبْعُوثُونَ} أي دللت يا محمد على البعث.
{مِن بَعْدِ الموت} وذكرت ذلك للمشركين لقالوا: هذا سحر. وكسِرت إنّ لأنها بعد القول مبتدأة. وحكى سيبويه الفتح.
{لَيَقُولَنَّ الذين كفروا} فتحت اللام لأنه فعل متقدم لا ضمير فيه، وبعده: {لَيَقُولُنَّ} لأن فيه ضميرًا.
و: {سِحْرٌ} أي غرور باطل، لبطلان السحر عندهم.
وقرأ حمزة والكسائي: {إِنْ هَذَا إِلاَّ سَاحرٌ مُبِينٌ} كناية عن النبي صلى الله عليه وسلم. اهـ.

.قال الخازن:

قوله: {وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء} يعني قبل خلق السموات والأرض قال كعب خلق الله ياقوتة خضراء ثم نظر إليها بالهيبة فصارت ماء يرتعد ثم خلق الريح فجعل الماء على متنها ثم وضع العرش على الماء.
قال ضمرة: إن الله سبحانه وتعالى كان عرشه على الماء ثم خلق السموات والأرض وخلق القلم فكتب به ما خلق وما هو خالق وما هو كائن من خلقه إلى يوم القيامة ثم إن ذلك الكتاب سبح الله ألف عام قبل أن يخلق شيئًا من خلقه.
وقال سعيد بن جبير سئل ابن عباس عن قوله سبحانه وتعالى: {وكان عرشه على الماء} على أي شيء كان الماء قال: على متن الريح، وقال وهب بن منبه: إن العرش كان قبل أن يخلق الله السموات والأرض ثم قبض الله قبضة من صفاء الماء ثم فتح القبضة فارتفع دخان ثم قضاهن سبع سموات في يومين ثم أخذ سبحانه وتعالى طينة من الماء فوضعها مكان البيت ثم دحا الأرض منها ثم خلق الأقوات في يومين والسموات في يومين والأرض في يومين ثم رفع آخر الخلق وفي اليوم السابع.
قال بعض العلماء: وفي خلق جميع الأشياء وجعلها على الماء ما يدل على كمال القدرة لأن البناء الضعيف إذا لم يكن له أساس على أرض صلبة لم يثبت فكيف بهذا الخلق العظيم وهو العرش والسموات والأرض على الماء فهذا يدل على كمال قدرة الله تعالى: عن عمران بن حصين قال: «دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعقلت ناقتي بالباب فأتى ناس من بني تميم فقال اقبلوا البشرى يا بني تميم فقالوا بشرتنا فاعطنا مرتين فتغير وجهه ثم دخل عليه ناس من بني أهل اليمن فقال اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم قالوا قبلنا يا رسول الله ثم قالوا جئنا لنتفقه في الدين ولنسألك عن أول هذا الأمر ما كان قال كان الله سبحانه وتعالى ولم يكن معه شيء قبله وكان عرشه على الماء ثم خلق السموات والأرض وكتب في الذكر كل شيء ثم أتاني رجل فقال يا عمران أدرك ناقتك فقد ذهبت فانطلقت أطلبها فإذا السراب يقطع دونها وايم الله لوددت أنها ذهبت ولم أقم».
عن أبي رزين العقيلي قال: قلت يا رسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه؟ قال: «كان في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء وخلق عرشه على الماء» أخرجه الترمذي، وقال قال أحمد: يريد بالعماء أنه ليس معه شيء قال أبو بكر البيهقي: في كتاب الأسماء والصفات له قوله صلى الله عليه وسلم: «كان الله ولم يكن شيء قبله»، يعني لا الماء ولا العرش ولا غيرهما وقوله: {وكان عرشه على الماء} يعني وخلق الماء وخلق العرش على الماء ثم كتب في الذكر كل شيء، وقوله في عماء وجدته في كتاب عمار مقيدًا بالمد فإن كان في الأصل ممدودًا فمعناه سحاب رقيق ويريد بقوله في عماء أي فوق سحاب مدبرًا له وعاليًا عليه كما قال سبحانه وتعالى: {أأمنتم من في السماء} يعني من فوق السماء وقال تعالى: {لأصلبنكم في جذوع النخل} يعني على جذوعها وقوله: {ما فوقه هواء} أي ما فوق السحاب هواء وكذلك قوله: {وما تحته هواء} أي ما تحت السحاب هواء وقد قيل إن ذلك العمى مقصور والعمى إذا كان مقصورًا فمعناه لا شيء ثابت لأنه مما عمى عن الخلق لكونه غير شيء فكأنه قال في جوابه كان قبل أن يخلق خلقه ولم يكن شيء غيره ثم قال ما فوقه هواء وما تحته هواء أي ليس فوق العمى الذي هو لا شيء موجود هواء ولا تحته هواء لأن ذلك إن كان غير شيء فليس يثبت له هواء بوجه والله أعلم وقال الهروي صاحب الغريبين: قال بعض أهل العلم معناه أين كان عرش ربنا فحذف المضاف اختصارًا كقوله واسأل القرية ويدل على ذلك قوله سبحانه وتعالى: {وكان عرشه على الماء} هذا آخر كلام البيهقي، وقال ابن الأثير: العماء في اللغة السحاب الرقيق وقيل: الكثيف وقيل: هو الضباب ولابد في الحديث من حذف مضاف، تقديره أين كان عرش ربنا فحذف ويدل على هذا المحذوف قوله تعالى: {وكان عرشه على الماء} وحكي عن بعضهم في العمى المقصور أنه قال هو كل أمر لا يدركه الفطن، وقال الأزهري: قال أبو عبيد إنما تأولنا هذا الحديث على كلام العرب المعقول عنهم وإلا فلا ندري كيف كان ذلك العماء قال الأزهري: فنحن نؤمن به ولا نكيف صفته.
(م) عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كتب الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء» وفي رواية «فرغ الله من المقادير وأمور الدنيا قبل أن يخلق السموات والأرض وكان عرشه على الماء بخمسين ألف سنة» قوله فرغ يريد إتمام خلق المقادير لا أنه كان مشغولًا ففرغ منه لأن الله سبحانه وتعالى لا يشغله شأن عن شأن فإنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون.
قوله سبحانه وتعالى: {ليبلوكم} يعني ليختبركم وهو أعلم بكم منكم: {أيكم أحسن عملًا} يعني بطاعة الله وأورع عن محارم الله: {ولئن قلت} يعني ولئن قلت يا محمد لهؤلاء الكفار من قومك: {إنكم مبعوثون من بعد الموت} يعني للحساب والجزاء: {ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين} يعنون القرآن. اهـ.

.قال أبو السعود:

ولمّا انتهى الأمرُ إلى أنه سبحانه محيطٌ بجميع أحوالِ ما في الأرض من المخلوقات التي لا تكاد تحصى من مبدأ فطرتِها إلى منتهاها اقتضى الحالُ التعرّضَ لمبدأ خلقِ السمواتِ والأرضَ والحكمةِ الداعية إلى ذلك فقيل: {وَهُوَ الذى خَلَقَ السموات والأرض فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ}
السمواتِ في يومين والأرضَ في يومين وما عليها من أنواع الحيواناتِ والنباتِ وغيرِ ذلك في يومين حسبما فُصِّل في سورة حم السجدةُ ولم يُذكر خلقُ ما في الأرض لكونه من تتمات خلقِها وهو السرُّ في جعل زمان خلقِه تتمةً لزمان خلقِها في قوله تعالى: {فِى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ} أي في تتمة أربعةِ أيام. والمرادُ بالأيام الأوقاتُ كما في قوله تعالى: {مِنْ يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} أي في ستة أوقاتٍ أو مقدارِ ستةِ أيامٍ فإن اليومَ في المتعارَف زمانُ كونِ الشمسِ فوق الأرضِ، ولا يُتصوَّر ذلك حين لا أرضَ ولا سماءَ، وفي خلقها مدرجًا مع القدرة التامةِ على خلقها دفعةً دليلٌ على أنه قادرٌ مختارٌ واعتبارٌ للنُظّار وحثٌّ على التأنّي في الأمور. وأما تخصيصُ ذلك بالعدد المعيَّنِ فأمرٌ استأثر بعلم ما يقتضيه علامُ الغيوب جلت حِكمتُه، وإيثارُ صيغةِ الجمعِ في السموات لما هو المشهورُ من الإشارة إلى كونها أجرامًا مختلفةَ الطبائعِ ومتفاوتةَ الآثارِ والأحكام: {وَكَانَ عَرْشُهُ} قبل خلقِهما: {عَلَى الماء} ليس تحته شيءٌ غيرُه سواءٌ كان بينهما فُرجةٌ أو كان موضوعًا على متنه كما ورد في الأثر، فلا دلالةَ فيه على إمكان الخلاء، كيف لا ولو دلّ لدلّ على وجوده لا على إمكانه فقط ولا على كون الماءِ أولَ ما حدث في العالم بعد العرش، وإنما يدلّ على أن خلقَهما أقدمُ من خلق السموات والأرضِ من غير تعرضٍ للنسبة بينهما: {لِيَبْلُوَكُمْ} متعلقٌ بخلق أي خلق السمواتِ والأرضَ وما فيهما من المخلوقات التي من جملتها أنتم ورتب فيهما جميع ما تحتاجون إليه من مبادي وجودِكم وأسبابِ معايشِكم وأودع في تضاعيفهما من تعاجيب الصنائعِ والعبرِ ما تستدلون به على مطالبكم الدينيةِ ليعاملَكم معاملةَ من يبتليكم: {أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} فيحازيَكم بالثواب والعقاب غِبّ ما تبين المحسنُ من المسيء وامتازت درجاتُ أفرادِ كل من الفريقين حسب امتيازِ طبقاتِ علومِهم واعتقاداتِهم المترتبة على أنظارهم فيما نُصب من الحُجج والدلائل والأماراتِ والمخايلِ ومراتب أعمالِهم المتفرِّعة على ذلك فإن العملَ غيرُ مختصَ بعمل الجوارح، ولذلك فسره عليه السلام بقوله: «أيكم أحسنُ عقلًا وأورعُ عن محارم الله وأسرعُ في طاعة الله؟» فإن لكل من القلب والقالَبِ عملًا مخصوصًا به فكما أن الأولَ أشرفُ من الثاني فكذا الحالُ في عمله كيف لا ولا عملَ بدون معرفةِ الله عز وجل الواجبةِ على العباد آثرَ ذي أثيرٍ وإنما طريقُها النظريُّ التفكرُ في بدائع صنائعِ الملِكِ الخلاقِ والتدبّرِ في آياتة البيناتِ المنصوبةِ في الأنفس والآفاق، ولا طاعة بدون فهم ما في مطاوي الكتابِ الحكيم من الأوامر والنواهي وغيرِ ذلك مما له مدخلٌ في الباب.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تفضلوني على يونس بنِ متى فإنه كان يُرفع له كلَّ يومٍ مثلُ عملِ أهلِ الأرض» قالوا: وإنما كان ذلك التفكرَ في أمر الله عز وجل الذي هو عملُ القلبِ لأن أحدًا لا يقدر على أن يعملَ في اليوم بجوارحه مثلَ عملِ أهلِ الأرض، وتعليقُ فعلِ البلوى أي تعقيبُه بحرف الاستفهام لا التعليقُ المشهورُ الذي يقتضي عدمَ إيرادِ المفعولِ أصلًا مع اختصاصه بأفعال القلوبِ لما فيه من معنى العلمِ باعتبار عاقبتِه كالنظرِ ونظائرِه، ولذلك أُجريَ مُجراه بطريق التمثيلِ أو الاستعارةِ التبعية، وإيرادُ صيغةِ التفضيلِ مع أن الابتلأَ شاملٌ للفريقين باعتبار أعمالهِم المنقسمةِ إلى الحسن والقبيحِ أيضًا لا إلى الحسن والأحسنِ فقط للإيذان بأن المرادَ بالذات والمقصودَ الأصليَّ مما ذكر من إبداع تلك البدائعِ على ذلك النمطِ الرائعِ إنما هو ظهورُ كمالِ إحسانِ المحسنين وأن ذلك لكونه على أتم الوجوهِ اللائقةِ وأكملِ الأساليب الرائقةِ يوجب العملَ بموجبه بحيث لا يَحيدُ أحدٌ عن سَننه المستبينِ بل يهتدي كلُّ فردٍ إلى ما يُرشد إليه من مطلق الإيمانِ والطاعةِ، وإنما التفاوتُ بينهم في مراتبهما بحسب القوةِ والضَّعفِ والكثرةِ والقلة، وأما الإعراضُ عن ذلك والوقوعُ في مهاوي الضلالِ فبمعزلٍ من الاندراج تحت الوقوعِ فضلًا عن أن ينتظِم ظهورُه في سلك العلةِ الغائيةِ لذلك الصنعِ البديعِ، وإنما هو عملٌ يصدُر عن عامله بسوء اختيارِه من غير مصحِّحٍ له ولا تقريب، ولا يخفى ما فيه من الترغيب في الترقي إلى معارج العلومِ ومدارجِ الطاعات والزجرِ عن مباشرة نقائضِها والله تعالى أعلم: {وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُمْ مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الموت} على ما يوجبه قضيةُ الابتلاءِ ليترتبَ عليه الجزاءُ المتفرِّعُ على ظهور مراتبِ الأعمال: {لَّيَقُولَنَّ الذين كَفَرُواْ} إن وُجِّه الخطاب في قوله تعالى: {إِنَّكُمْ} إلى جميع المكلّفين بالموصول مع صلته للتخصيص أي ليقولَن الكافرون منهم، وإن وجِّه إلى الكافرين منهم فهو واردٌ على طريقة الذم.
{إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ} أي مثلُه في الخديعة أو البطلان، وهذا إشارةٌ إلى القول المذكورِ أو إلى القرآن فإن الإخبارَ عن كونهم مبعوثين وإن لم يجب كونُه بطريق الوحي المتلوِّ إلا أنهم عند سماعِهم ذلك تخلّصوا إلى القرآن لإنبائه عنه في كل موضعٍ، وكونِه علَمًا عندهم في ذلك فعمَدوا إلى تكذيبه وتسميتِه سحرًا تماديًا منهم في العناد وتفاديًا عن سَنن الرشاد، وقيل: هو إشارةٌ إلى نفس البعثِ ولا يلائمه التسميةُ بالسحر، فإنه إنما يُطلقُ على شيء موجودٍ ظاهرًا لا أصلَ له في الحقيقة، ونفسُ البعثِ عندهم معدومٌ بحتٌ، وتعلّقُ الآيةِ الكريمةِ بما قبلها إما من حيث إن البعثَ كما أشير إليه من تتمات الابتلاءِ المذكورِ فكأنه قيل: الأمرُ كما ذكر ومع ذلك إن أخبرتهم بمقدمة فذّةٍ من مقدماته وقضيةٍ فردةٍ من تتماته لا يتلعثمون في الرد ويعدّون ذلك من قبيل ما لا صِحةَ له أصلًا فضلًا عن تصديق ما هذه من تتماته، وإما من حيث إن البعثَ خلقٌ جديد فكأنه قيل: وهو الذي خلق جميعَ المخلوقاتِ ابتداءً لهذه الحكمة البالغةِ ومع ذلك إن أخبرتهم بأنه يعيدهم تارةً أخرى وهو أهونُ عليه يقولون ما يقولون فسبحان الله عما يصفون، وقرأ حمزةُ والكسائيُّ إلا ساحرٌ على أن الإشارةَ إلى القائل أو إلى القرآن على أسلوب شعرٌ شاعرٌ وقرئ بالفتح على تضمين قلتَ معنى ذكرتَ أو على أن أنك بمعنى عنك في علّك، أي ولئن قلتَ: لعلكم مبعوثون على أن الرجاءَ والتوقعَ باعتبار حالِ المخاطبين أي توقّعوا ذلك ولا تبُتّوا القولَ بإنكاره أو على أنه مجاراةٌ معهم في الكلام على نهج المساعدةِ لئلا يسارعوا إلى اللَّجاج والعِنادِ ريثما قَرعَ أسماعَهم بتُّ القولِ بخلاف ما ألِفوا وألفَوْا عليه آباءَهم من إنكار البعثِ ويكون ذلك أدعى لهم إلى التأمل والتدبّر وما فعلوه قاتلهم الله أنى يؤفكون. اهـ.

.قال الألوسي:

ثم أتى سبحانه بما يدل على عظيم قدرته جل شأنه من قوله تبارك وتعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} تقريرًا للتوحيد لأن من شمل علمه وقدرته هو الذي يكون إلهًا لا غيره مما لا يعلم ولا يقدر على ضر ونفع وتأكيدًا لما سبق من الوعد والوعيد لأن العالم القادر يرجى ويخشى، وجوز أن تكون الآية تقريرًا لقوله سبحانه: {يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} [هود: 5] وما بعدها تقريرًا لقوله سبحانه: {وَهُوَ على كُلّ شَئ قَدِيرٌ} [هود: 4] وفيه بعد، وكأن المراد بخلق السموات والأرض إلخ خلقهما وما فيهما، أو تجعل السموات مجازًا عن العلويات فتشملها وما فيها، وتجعل الأرض مجازًا بمعنى السفليات فتشملها وما فيها من غير تقدير، واحتيج لذلك لاقتضاء المقام إياه وإلا فخلقهما في تلك المدة لا ينافي خلق غيرهما فيها، والمراد باليوم الوقت مطلقًا لا المتعارف إذ لا يتصور ذلك حين لا شمس ولا أرض، وقيل: أريد به مدة زمان دور المحدد المسمى بالعرش دورة تامة، وإليه ذهب الشيخ الأكبر قدس سره، وقد علمت حاله فيما تقدم، وقيل: غير ذلك.
وفي عدم خلقهما دفعة كما علمت دليل كما قال غير واحد على كونه سبحانه قادرًا مختارًا مع ما فيه من الاعتبار للنظار والحث على التأني في الأمور، وقد تقدم ما قيل في وجه تخصيص هذا العدد دون الزائد عليه كالسبعة أو الناقص عنه كالخمسة للخلق، ولعلنا نحقق ذلك في موضع آخر، وإيثار صيغة الجمع في السموات لاختلافها بالأصل والذات دون الأرض، وإن قيل: إنها مثل السماء في كونها سبعًا طباقًا بين كل أرض وأرض مسافة وفيها مخلوقات، وبذلك فسر قوله سبحانه: {وَمِنَ الأرض مِثْلَهُنَّ} [الطلاق: 12] والكثير على أن الأرض كرة واحدة منقسمة إلى سبعة أقاليم وحملوا الآية على ذلك.